04/02/2023 - 23:00

حوار مع د. رلى هردل | حكومة نتنياهو تتجه لحسم "الصراع"

د. رلى هردل: "تتجه حكومة نتنياهو نحو سياسة حسم الصراع، بفرض السيادة الإسرائيلية على فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر دون إلقاء أذان صاغية لاتهامات إقامة نظام أبارتهايد".

حوار مع د. رلى هردل | حكومة نتنياهو تتجه لحسم

حكومة بن غفير - سموتريتش برئاسة نتنياهو تخيف "العرب" بسبب تصعيد اللهجة السياسية ضدهم وضد الفلسطينيين عموما وترجمة التحريض إلى إجراءات قمعية وقوانين عنصرية ذات طابع فاشي تستهدف تحجيمهم وخفض رؤوسهم، وتخيف "اليهود" لأنها تهدد دولتهم العلمانية الليبرالية ومؤسساتها الأشكنازية المتمثلة بالأكاديميا والإعلام والقضاء وعلى رأسه المحكمة العليا التي تعتبر درة تاج هذه المنظومة.

حتى الآن يبدو أن ما يخيف "اليهود" لا يخيف "العرب"، الذين لم ينعموا بمآثر الدولة العلمانية الليبرالية التي لم تنصفهم مؤسساتها الأشكنازية ولا إعلامها المجند والمحرض ولا قضائها ومحكمتها العليا التي لم تلاحق تطبيق قرارها الوحيد الذي أنصفت فيه العرب والفلسطينيين والمتعلق بعودة أهالي إقرث وبرعم.

كذلك فإن ما يخيف "العرب" لا يخيف "اليهود" الذين ما زالوا على استعداد لدعم قوانين وإجراءات تمس بحقوق العرب ومواطنتهم، على غرار اقتراح قانون سحب مواطنة الأسرى المحررين من مناطق الـ48 والعقوبات الانتقامية ضد الأسرى في السجون، ناهيك عن رفع منسوب الدم والقتل في جنين وغيرها من مدن الضفة الغربية.

حكومة نتنياهو تستفيد من فصل المساقين بل هي وليدة هذا الفصل الذي وحد الساحة السياسية والمجتمع الإسرائيلي، تحت رايات ولاءات اليمين المتعلقة بالاحتلال والاستيطان والضم وسياسة الأبارتهايد قبل أن يقود إلى هيمنة اليمين الديني الاستيطاني على اليمين ومخططه لتغيير مؤسسات الدولة ونظامها السياسي بما يتلاءم مع الواقع الجديد.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" الباحثة في العلوم السياسية، د. رلى هردل، حول صعيد اليمين الديني – الاستيطاني والحلقة المفقودة بين مناهضة "الاحتلال والاستيطان" وبين مناهضة "الانقلاب على القضاء" وعلى نظام الحكم الديمقراطي.

"عرب 48": الأجندة السياسية المرتبطة بالاحتلال والاستيطان والضم وسياسة الأبارتهايد والدعوة لخفض رؤوس العرب وإذلالهم، احتلت سلم أولويات اليمين الديني - الاستيطاني بقيادة بن غفير وسموتريتش وكانت وراء تعاظم قوتهما الانتخابية، وهي تحتل حصة الأسد في عمل الحكومة وخاصة الوزارات التي يشغلها مثلهما، وللمفارقة فإنها لا تلقى معارضة من يملؤون ساحات تل أبيب احتجاجا على "الانقلاب القضائي"؟

د. رلى هردل

هردل: من الواضح أن التحولات الجارية في المجتمع الإسرائيلي ترتبط ارتباطا وثيقا بالقضية الفلسطينية، عموما، وما يتفرع عنها من احتلال واستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة وسياسة تمييز عنصري في مناطق 48، وهي سياسة جرت تحت قيادة النخبة الأشكنازية المتنورة التي تراعي حقوق الإنسان وحقوق المواطن والمعايير الغربية في إدارة الدول، والتي تجري اليوم محاولة لتغييرها من قبل مجموعة كانت حتى قبل عقد ونيف من الزمن على هامش المجتمع والسياسة الإسرائيليين وهي "الصهيونية القومية الدينية المتزمتة".

ولهذا التغيير عدة أسباب أهمها التحول الديمغرافي الذي يمر به المجتمع الإسرائيلي، وهو غير معزول عن التحولات الأيديولوجية التي تحدث أيضا في السياق الداخلي والسياق الإقليمي بكل ما يتعلق بالعلاقة مع الفلسطينيين - قضية التسوية وحل الصراع القائم.

وإذا ما عدنا إلى بداية ظهور اليمين الديني الاستيطاني المتطرف سياسيا بأقل خجل وأكثر حدة نجد أنه تزامن مع فترة توقيع اتفاقيات أوسلو، التي بدأت عندها نقطة الفرز داخل المجتمع الإسرائيلي ما بين يمين ومركز- يسار (وفق التعريفات الإسرائيلية) والتي أدت أيضا إلى اغتيال رابين.

أعتقد أن صعود اليمين في الخطاب وفي الحيز العام الإسرائيلي وشرعنة وجود صوت يميني ديني متطرف بدأ من هناك، قبل ذلك كان هناك يمين ديني (المفدال) منطوي تحت الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي كان يسيطر عليه حزب العمل أو النخبة الأشكنازية التي أسست الدولة.

"عرب 48": صحيح، فقد كان "المفدال" حتى انقلاب 1977 ملحقا بحكومات حزب العمل واهتم بإشغال وزارتي الأديان والتربية والتعليم؟

هردل: التغيير بدأ في مرحلة أوسلو كإفراز لأوسلو واغتيال رابين، وتعزز مع الانتفاضة الثانية وانتشار فكرة عدم وجود "شريك فلسطيني" وعدم إمكانية الفصل وتطبيق حل الدولتين، تغلغل هذا الخطاب أيضا داخل المجتمع الإسرائيلي.

وأعتقد أنه ليس فقط الخطاب الذي ابتدعه إيهود باراك حول عدم وجود شريك فلسطيني وعدم إمكانية للتسوية بصيغة حل الدولتين، إنما أيضا الانتفاضة الثانية ذاتها والعمليات التي وقعت في العمق الإسرائيلي وما تركته من تأثير نفسي على شرائح واسعة في المجتمع الإسرائيلي.

عدم وجود شريك فلسطيني التقى وغذى الشعور بالخوف من عدم إمكانية الاستمرار بالعيش في هذا المكان، بمعنى أن الصراع عاد بعد الانتفاضة الثانية وفشل أوسلو إلى طبيعته الأولى كصراع وجود وليس صراع حدود.

بعدها من 2009 وحتى اليوم وجود حزب مثل الليكود في الحكم، الذي أيضا مر بتحولات بتركيبته وطبيعته الداخلية، وتحول أكثر إلى حزب شعبوي يعتبر مظلة لجزء كبير من الشرقيين الذين كانوا مهمشين تاريخيا، صعود الليكود وتحالفه مع أحزاب اليمين الجديد الصاعدة التي تمثل اليمين الديني - الاستيطاني وكذلك تحالفه مع الأحزاب الحريدية التي بدأت أيضا بأخذ مسار الانحياز لليمين، أدى إلى ثبات حكومات اليمين خلال هذه الفترة مع بعض التقطعات ولكن بشكل جارف وكبير حتى اليوم.

طبعا، لا ننسى أن الطرف المقابل (اليسار – مركز) لم ينجح بأن يطرح بديل للعنصرية والتطرف ولخطط اليمين التي كانت تدعي كل الوقت بعدم وجود "شريك"، وكانت تراوح بين ما يسمونه بسياسة "إدارة الصراع" و"تقليص الصراع" وهي سياسة لا ترى الفلسطيني ولا تضعه على الأجندة بينما تواصل تعزيز الاستيطان وقضم الأرض والضم الزاحف.

بالمقابل فإن المعسكر الآخر فشل في طرح رؤية سياسية اجتماعية متكاملة تشكل بديلا لسياسة اليمين وبرنامجه، رؤية تتعامل مع للواقع السياسي بجرأة لا تستمر في تجاهل الاحتلال والتعامي عن الصراع تنامي العنصرية والفاشية داخل المجتمع الإسرائيلي والتي أفصحت عنها الانتخابات الأخيرة.

"عرب 48": بغياب مثل هذا البرنامج البديل لدى اليسار - مركز، غدا متذيلا لبرنامج اليمين وسياساته في القضية التي تشكل محور وجود هذه الدولة قضية الصراع الفلسطيني العربي - الإسرائيلي، وربما لهذا السبب فقد دوره التاريخي؟

هردل: برأيي اليمين كان خلال السنوات الأخيرة يطرح برنامجا أكثر وضوحا وأكثر صلابة، برنامج يتعامل مع مخاوف المجتمع الإسرائيلي، ووفر لهذا المجتمع قيادة قادرة ورؤية واضحة وأعطى حلولا للمخاوف الإسرائيلية، في تثبيت الصبغة اليهودية للدولة وشعارات إعادة الحكم والسيطرة، بالمقابل فإن "اليسار" لأنه جبان ويفتقر إلى العامود الفقري السياسي اختار أن يبتعد عن المبادئ التي طرحها هو نفسه في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وصولا إلى أوسلو.

"عرب 48": ومن الواضح أن انسحاب "اليسار" من مواقفه المتعلقة بالاحتلال والقضية الفلسطينية والتسوية، خلق نوعا من الإجماع الإسرائيلي حول برنامج اليمين؟

هردل: صحيح، "اليسار" ما كان يستطيع الاستمرار في موقفه المتلعثم في الموضوع الفلسطيني، بالمقابل فإن اليمين وبرنامجه واجندته كانوا أكثر وضوحا ونحن نعرف أن المجتمعات المأزومة التي تعاني من فجوات اثنية وعرقية مختلفة، على غرار المجتمع الإسرائيلي الذي تشوبه الكثير من التناقضات الداخلية ويعتبر نفسه في حالة حرب، فإن الخطاب الواضح والقيادة الواضحة هما أكثر جذبا، حتى لو كانا يحملان رؤية عنصرية مطعمة بنزعات فاشية فيها إلغاء للآخر.

"عرب 48": انسحاب "اليسار" من برنامجه القائم على التسوية مع الفلسطينيين لأنه لم يستطع الذهاب به حتى النهاية، كان يعني تسليم رسن القيادة طوعا لليمين، وفي العادة فإن من يقود يستطيع أن يختار الطريق وأن يغير المركبة أيضا، بمعنى أن يعيد بناء وتركيب الدولة على مقاسه كما يفعل اليمين الآن، وهذا ما لم يفطن به "اليسار" مسبقا؟

هردل: طبيعي، لأن المجتمعات والدول لا تحتمل حالات الفراغ السياسي والقيادي ولا الأيديولوجي، سيما وأن اليمين كان خلال العقدين الماضيين الأقدر والأوضح بقيادته وبخطابه وبرؤيته الأيديولوجية، بما يتعلق بذاته وبالدولة وبالآخر.

كما أن هناك قضية داخلية لا نستطيع تجاهلها وهي قضية دخول القائمة العربية الموحدة إلى الائتلاف الحكومي قبل الانتخابات الأخيرة، وأنا أعتقد أن هذا التطور هو جديد وتاريخي، بمعنى حدوثه وليس معناه وإسقاطاته، وقد كان له أثرا على ازدياد شعبوية وتطرف أحزاب اليمين الديني وحتى اليمين التقليدي المتمثل بالليكود.

"عرب 48": ربما تقصدين أنه غير مسبوق وليس تاريخيا لأن التعبير الأخير يطلق على الفعل الإيجابي فقط؟

هردل: صحيح وأنا أفضل استعمال تعبير محايد وأقوم بقراءة موضوعية، بغض النظر عن رأيي الشخصي، وأقول إن اليمين رأى دخول الموحدة للائتلاف الحكومي بداية لانهيار التفوق اليهودي والوحدانية في حكم هذه الدولة وفي تحديد توجهها وسياساتها.

دخول الموحدة للائتلاف وما لقيه من لهفة وإعجاب من قبل شرائح في المجتمع الإسرائيلي من اليسار والمركز وعند جزء كبير من اليهود الأميركيين وفي العالم، اعتبر من قبل البعض مؤشرا لتطور جديد داخل إسرائيل نحو مساواة وشراكة حقيقية على المستوى المدني، وهو شيء لا يمكن احتماله من قبل اليمين المتشدد والمتطرف كونه يمس بالأسس المبنية عليها دولة إسرائيل ونظامها السياسي والنخبة السياسية التي من المفروض أن تحدد سياسة الدولة وشكلها وطابعها.

"عرب 48": ولكن يجب ألا ننسى أن الليكود هو من أعطى "شرعية إسرائيلية" للموحدة وأن ذلك كان بثمن التخلي عن البعد الوطني؟

هردل: يجوز أن أحزاب الائتلاف الحكومي وحتى الموحدة لم تقصد هذه الرمزية العميقة، لكن اليمين قرأها بأن السماح لهذا التوجه أن يستمر وإعطائه الشرعية من موقع ديمقراطي ومشاركة وحقوق متساوية، فإن ذلك سيشكل بداية انهيار المنظومة التي تقوم على الفوقية اليهودية ووحدانية اليهود في حكم هذه البلاد.

لذلك رأينا خلال سنة من بداية تشكيل هذا الائتلاف وحتى نهايته وصولا إلى ما أفرزته الانتخابات الأخيرة، أن هذا الموضوع كان مركزيا جدا وقد احتل جزءا أساسيا من دعاية اليمين الانتخابية التي شددت على أن لا مكان للعرب في النخبة السياسية وهو أمر أتى بثماره في الشارع الإسرائيلي.

ومن هنا جاء أيضا رد فعل اليمين المتطرف بإعطاء الأولوية بـ"معالجة العرب في إسرائيل" وتهديدات بن غفير بوقف العرب عند حدهم والتأكيد على أن اليهود هم اسياد هذه البلاد، وهو ما يتفق مع أيديولوجية اليمين الاستيطاني المتطرف منذ صعوده، التي لا ترى أي اختلاف بين الفلسطيني في غزة والضفة أو في مناطق الـ48، مستندة إلى القاعدة العامة التي تقوم على الفوقية اليهودية وترى أن لفلسطينيين سواء كانوا تحت الاحتلال أو مواطنين يستطيعون أن يعيشوا كرعايا أو أن يتركوا البلاد.

وهذه أهم سمات الحكومة الحالية التي تنظر إلى كل هذه الأرض من البحر إلى النهر كوحدة واحدة، يحكمها سيد واحد ونظام سياسي واحد، دون اعتبار لخط أخضر أو حدود 67، وهو ما يتبدى جليا في الاتفاقات الائتلافية التي فرضتها أحزاب اليمين الاستيطاني، وهو ما يشير إلى انهم يتجهون نحو سياسة حسم الصراع بعد عقود من إدارة الصراع وتقليص الصراع، بفرض السيادة الإسرائيلية على فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر دون إلقاء أذان صاغية لاتهامات إقامة نظام أبارتهايد.


د. رلى هردل: باحثة مشاركة في معهد "هارتمان" لأبحاث الهوية اليهودية والإسرائيلية.

التعليقات